سورة البروج - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البروج)


        


{وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)}
قوله تعالى: {وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ} وقرأ أبو حيوة {نقموا} بالكسر، والفصيح هو الفتح، وقد مضى في {براءة} القول فيه: أي ما نقم الملك وأصحابه من الذين حرقهم: {إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا} أي إلا أن يصدقوا: {بِاللَّهِ الْعَزِيزِ} أي الغالب المنيع. {الْحَمِيدِ} أي المحمود في كل حال. {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لا شريك له فيهما ولا نديد {وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي عالم بأعمال خلقه لا تخفي عليه خافية.


{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ} أي حرقوهم بالنار. والعرب تقول: فتن فلان الدرهم والدينار إذا أدخله الكور لينظر جودته. ودينار مفتون. ويسمى الصائغ الفتان، وكذلك الشيطان، وورق فتين، أي فضة محترقة. ويقال للحرة فتين، أي كأنها أحرقت حجارتها بالنار، وذلك لسوادها. {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} أي من قبيح صنيعهم مع ما أظهره الله لهذا الملك الجبار الظالم وقومه من الآيات والبينات على يد الغلام. {فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ} لكفرهم. {وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ} في الدنيا لإحراقهم المؤمنين بالنار. وقد تقدم عن ابن عباس.
وقيل: وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ أي ولهم في الآخرة عذاب زائد على عذاب كفرهم بما أحرقوا المؤمنين.
وقيل: لهم عذاب، وعذاب جهنم الحريق. والحريق: اسم من أسماء جهنم، كالسعير. والنار دركات وأنواع ولها أسماء. وكأنهم يعذبون بالزمهرير في جهنم، ثم يعذبون بعذاب الحريق. فالأول عذاب ببردها، والثاني عذاب بحرها. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} أي هؤلاء الذين كانوا آمنوا بالله، أي صدقوا به وبرسله. {وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ} أي بساتين. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} من ماء غير آسن، ومن لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى. {ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} أي العظيم، الذي لا فوز يشبهه.


{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (16)}
قوله تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} أي أخذه الجبابرة والظلمة، كقوله جل ثناؤه: {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]. وقد تقدم. قال المبرد: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ جواب القسم. المعنى: والسماء ذات البروج إن بطش ربك، وما بينهما معترض مؤكد للقسم. وكذلك قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول: إن القسم واقع عما ذكر صفته بالشدة. {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} يعني الخلق- عن أكثر العلماء- يخلقهم ابتداء، ثم يعيدهم عند البعث، وروى عكرمة قال: عجب الكفار من إحياء الله جل ثناؤه الأموات، وقال ابن عباس: يبدئ لهم عذاب الحريق في الدنيا، ثم يعيده عليهم في الآخرة. وهذا اختيار الطبري. {وَهُوَ الْغَفُورُ} أي الستور لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها. {الْوَدُودُ} أي المحب لأوليائه.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: كما يود أحدكم أخاه بالبشرى والمحبة. وعنه أيضا الْوَدُودُ أي المتودد إلى أوليائه بالمغفرة، وقال مجاهد الواد لأوليائه، فعول بمعنى فاعل.
وقال ابن زيد: الرحيم، وحكى المبرد عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له، وأنشد قول الشاعر:
وأركب في الروع عريانة *** ذلول الجناح لقاحا ودودا
أي لا ولد لها تحن إليه، ويكون معنى الآية: إنه يغفر لعباده وليس له ولد يغفر لهم من أجله، ليكون بالمغفرة متفضلا من غير جزاء.
وقيل: الودود بمعنى المودود، كركوب وحلوب، أي يوده عباده الصالحون ويحبونه. {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} قرأ الكوفيون إلا عاصما {المجيد} بالخفض، نعتا للعرش.
وقيل: لـ {رَبِّكَ}، أي إن بطش ربك المجيد لشديد، ولم يمتنع الفصل، لأنه جار مجرى الصفة في التشديد. الباقون بالرفع نعتا ل ذُو وهو الله تعالى. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لان المجد هو النهاية في الكرم والفضل، والله سبحانه المنعوت بذلك، وإن كان قد وصف عرشه بالكريم في آخر المؤمنون. تقول العرب: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي تناهيا فيه، حتى يقتبس منهما. ومعنى ذو العرش: أي ذو الملك والسلطان، كما يقال: فلان على سرير ملكه، وإن لم يكن على سرير. ويقال: ثل عرشه: أي ذهب سلطانه. وقد مضى بيان هذا في الأعراف وخاصة في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسني. {فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ} أي لا يمتنع عليه شيء يريده. الزمخشري: فَعَّالٌ خبر ابتداء محذوف. وإنما قيل: فَعَّالٌ لان ما يريد ويفعل في غاية الكثرة.
وقال الفراء: هو رفع على التكرير والاستئناف، لأنه نكرة محضة.
وقال الطبري: رفع فَعَّالٌ وهي نكرة محضة على وجه الاتباع لاعراب الْغَفُورُ الْوَدُودُ. وعن أبي السفر قال: دخل ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي بكر رضي الله عنه يعودونه فقالوا: ألا نأتيك بطبيب؟ قال: قد رآني! قالوا: فما قال لك؟ قال: قال: إني فعال لما أريد.

1 | 2 | 3